قد نسمع كثيرًا في مواقف حميدة مختلفة أو خدمات نقدمها للآخرين "شكرًا.. أنت شكلك ابن ناس" أو "هما دول ولاد الناس بجد"؛ كنوع من الثناء على شخص ما قام بشيء جيد.

ولكن لم يسبق وأن توقفنا عند هذه العبارة التي في ظاهرها ثناء وشكر، ولكن في باطنها معنًى آخر ربما لا يعلمه الكثيرون؛ وهو الأمر الذي قام فريق الإعداد بالتوقف عنده؛ وبعد بحوث عدة، والتطرق لمقتطفات تاريخية قديمة؛ توصلنا إلى المعنى الحقيقي لجُملة "ولاد الناس"؛ وهو ما ستفاجئون بمعرفته وقد لا تصدقونه للوهلة الأولى، ولكن بالرجوع إلى المذكرات التاريخية والحكايات القديمة وتحديدًا في عصور المماليك؛ ستتأكدون بلا شك مما سنخوض في الحديث عنه في هذه الفقرة من برنامجنا.

أصل الجملة/العبارة "أنت ابن ناس/ولاد الناس"

إذا ما بحثنا عن أصل هذه الجملة، فسنجد أن جملة «ابن ناس/ ولاد الناس» التي نقولها الآن كان لها تفسيرات مختلفة قد تدهشنا؛ بل إن لها معاني قد تفاوتت على مرّ العصور.

·        في زمن المماليك كانت تطلق على القادة العسكريين الذين لا يُعرف لهم آباء.

·        بينما في أيام العثمانيين فكانت تطلق على من هُم أقل من الباكوات والباشوات؛ لتمييزهم عن باقي المصريين.

·        أما في عهد الملوك والسلاطين؛ حسين كامل وفؤاد وفاروق، ارتبطت كلمة «ابن ناس» برجال الصناعة وصغار رجال الأعمال وملاك الأراضي، الذين يطمحون في الحصول على لقب الباشوية.

·        ثم جاء عصر عبد الناصر؛ ليجعل الكل سواسية؛ إلا أن المصريين ظلوا متمسكين بها ويطلقونها على من ينحدرون من عائلات باشوات أو سياسيين أو غيرها.

بداية الحكاية (الحدوتة) كانت في عصر المماليك:

·        حكم المماليك مصر لقرون طويلة، وكانت أصولهم راجعة لشعوب الترك ومنطقة القوقاز ووسط آسيا تحديدًا، واقتنصوا الحكم من الأيوبيين، الذي كانوا قد امتلكوا الكثير من المماليك يعملون عندهم؛ حتى زاد نفوذهم واستولوا على حكم مصر وولايات الشام.

·        وقد كان المماليك يتخذوا من بعضهم البعض زيجات وكان هو السائد؛ بينما كان من بينهم قلة قليلة اتخذت من المصريات زيجات لهم، وكانوا يصفون أو يلقبون أولادهم بأنهم (ولاد ناس)، ومن هنا بدء المصطلح في الانتشار؛ لكي يساووا رؤوس أولادهم من المصريات بأولاد المماليك.

·        وقد كانت تسمية استعلائية بأنهم (ولاد ناس)، ولكن ظل هناك فارقًا بينهم وبين المماليك الذين تزوجوا من سب مملوكي خالص.

·        لكن مع مرور الوقت (ولاد ناس) أصبح مسبّة من المصريين ضد المماليك، المكروهين من المصرين آنذاك؛ نظرًا لتكبرهم واستعلائهم عليهم.

·        وأصبح هذا المصطلح أو تلك الصفة لفظ سيء للماليك؛ ليصفهم بكونهم ولاد حرام؛ لعدم وجود نسب واضح ومعروف لهم.

أبرز المعلومات عن (ولاد الناس)؟

·        يعتبر (ولاد الناس) هم بمثابة حلقة الوصل بين المصريين والمماليك، وقد تقربوا كثيرًا من المصريين وانصهروا بين أفراد الشعب المصري آنذاك.

·        واندمجوا في الحياة عمومًا؛ وظهر لنا منهم العلماء والفقهاء والتجار وأيضًا الحرفيين.

·        وبالطبع، ظهر منهم الفرسان؛ والذين كانوا أداة في أيدي المماليك؛ للسيطرة على الشعب في حالة الثورات أو الاحتجاجات؛ بجانب دورهم في صد الهجمات الخارجية أوقات الحروب.

مصطلح (ولاد الناس) في ثوبه الجديد

·        أُسدلت الستائر على حكم المماليك وانتهت فترة حكمهم، ومن ثم جاء بعدهم عهد الملوك والسلاطين، والذي بدوره استخدم هذا المصطلح ولكن بمعنًى مختلف تمامًا.

·        فكان يُطلق على رجال الصناعة وصغار رجال الأعمال وملاك الأراضي، الذين يطمحون في الحصول على لقب الباشوية.

·        واستمر هذا المصطلح في تكاثر في عصر الناصرية (محمد عبد الناصر)؛ وزاد تطبعه بالمعنى الجديد أكثر فأكثر؛ حتى أصبح بمفهوم حميد وجيد وهو أن الشخص المتصف بتلك الصفة هو من نسب عالٍ وذو مكانة بارزة في المجتمع.

وختامًا..

·        فمهما ذكرت الكتب التاريخية والمؤرخين من أصل هذا المصطلح أو تلك الجملة التي اقتفينا أثرها لكم، سيظل معناها في أيامنا هذه هو المعنى الذي استخدم بكثرة في أعرافنا وتقاليدنا.

·        وسيظل العريس الذي يتقدم لخطبة فتاة ما، ولديه مال وعلم ويتحدث لغات أجنبية هو بمثابة أنموذج (ولاد الناس) حديث ألسنة المصريين حاليًّا.

·        وللأسف تناسينا تمامًا أصل هذه الجملة، وأن الأساس هي الأخلاق لا المظاهر؛ وبالتالي تفشت تلك الجملة لتصف كل من لديه سيارة فارهة أو منزلًا كبيرًا، أو يعيش في كمبوند ويمتلك الأراضي والأطيان الزراعية.