وَهْمُ الاقْتِصَادِ الأَمْرِيكِيِّ فِي ظِلِّ الوَبَاءِ العَالَمَيِّ
بقلم:
الدكتور عذاب العزيز الهاشمي
في علم الاقتصاد يوجد
نوعين من الاقتصاديات:
(الأول)، ويسمى الاقتصاد
الحقيقي القائم على مكونات الناتج المحلي الإجمالي من خلال ثلاث مكونات رئيسية،
ومنها الاستثمار العام، والإنفاق أو الاستهلاك العام، والتجارة الخارجية من خلال
فاصل التجارة من الصادرات والواردات، وجميع هذه المكونات تظهر طبيعته ونشاطه
الاقتصادي سواء في حالة العجز أو الفائض.
أمّا (الثاني)، فهو
الاقتصاد الأسمى أو الوهمي القائم على أساس حركة ونشاط الأسواق المالية والأسواق
النقدية، والإشارة هنا إلى أدوات استثمارية مالية، مثل السندات والأسهم بكل
أنواعها، بالإضافة إلى أدوات السياسة النقدية من إدارة الاحتياطات النقدية أو أسعار
الفائدة، وغيرها من الأدوات، وهذا النوع من السياسات يتميز بها الاقتصاد الأمريكي.
حيث أنه تحول من اقتصاد
حقيقي إلى اقتصاد وهمي، بسبب ارتفاع تكاليف عوامل الإنتاج، وبالتالي هجرة
الاستثمارات إلى دول أخرى؛ مثل: الصين وسنغافورا وغيرها من الدول الأقل تكلفة.
وبخصوص الأزمة
الحالية والناتجة عن وباء الكورونا المستجد، فقد أشار تقرير بصحيفة نيويورك تايمز،
أن فيروس كورونا سيهدد بإحداث عدوى مالية في اقتصاد عالمي يعاني من نقاط ضعف مختلفة
تمامًا عمّا كان يعانيه العالم قبيل الأزمة المالية عام 2008م، حيث أضحى العالم مثقلًا
بالديون بشكل كبير أكثر مما كان عليه الحال حين اندلعت الأزمة المالية الأخيرة.
وأضاف التقرير للكاتب والمستثمر الهندي "روتشير شارما"،
أنه تحولت أضخم الديون وأخطرها من تداعياتها على العائلات والبنوك في الولايات المتحدة،
التي كانت مقيدة من قبل الجهات التنظيمية بعد الأزمة، لتصل إلى الشركات في مختلف أنحاء
العالم.
كما أفاد الكاتب بأنه في الوقت الذي تتعامل فيه الشركات مع
احتمال حدوث توقف مفاجئ لتدفقاتها النقدية، فسيكون جيل جديد نسبيًّا من الشركات، التي
تكافح لسداد القروض الكبيرة على غرار شركات "الزومبي" (شركات تعيش على الديون)،
والعاجزة حتى عن دفع أقساط الفائدة على ديونها، فضلًا عن التداعيات الخطيرة للمطارات
المهجورة، والقطارات الفارغة، والمطاعم شبه الفارغة على النشاط الاقتصادي.
وأكد الكاتب، أنه كلما طالت مدة جائحة الكورونا زاد احتمال
حدوث أزمة مالية، ولا سيما في ظل تخلّف شركات "الزومبي" عن سداد ديونها مثلما
حدث خلال أزمة الرهن العقاري الخطيرة التي ظهرت عام 2008م.
وخلال القرن الماضي، كانت حالات الركود دائمًا ما تبدأ بفترة
متواصلة من ارتفاع أسعار الفائدة، لكن هذه المرة ضرب الوباء الاقتصاد العالمي المثقل
بمستويات قياسية من الديون.
إذًا، لماذا كل هذا التهويل بالرعب؟
والسبب بسيط، مفاده أن السياسة الاقتصادية التي أقرّتها الحكومات
الصناعية، ذهبت بعيدًا في تشابك الاقتصاد الوهمي، بالاقتصاد الحقيقي المفترض، وعولمته
على أساس حرية الأسواق والرأسمالية، وهو خيار إرادي وليس قدرًا كما يشاع، بل هو إرادي
لصالح فئات قليلة العدد، عظيمة التأثير والنفوذ، وهي غالبًا متشابكة المصالح والنفوذ
في السلطة والاقتصاد والمعتقدات الدينية؛ وأفضت هذه الآليات إلى انفجار الأزمة؛ إنما
أدّت أيضًا إلى ترابط الحلول وتشابكها.
وبمعنًى آخر، تضع الشركات المعرّضة للإفلاس، والبنوك، وشركات
التأمين، الحكومات أمام خيارٍ من اثنين:
1-
إمّا التراجع جذريًا
عن تشريع إدارة الكازينو ودوران دواليب المقامرة، وهذا يفترض تفكيك النظم والتشريعات
النيو ليبرالية، والعودة إلى الوراء بإعاقة حرية الرأسمالية لصالح الاقتصاد الحقيقي،
والقطاع الخاص الصغير، ودور الدولة.
2-
وإمّا أن تعمل
الحكومات على إعادة تسييل الشركات المُفلسة، والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيها،
خوفًا من اندلاع الحريق وتعميمه في البنوك التجارية العادية، والاقتصاد الحقيقي، والقطاعات
الإنتاجية.
وفي هذا الصدد، هوّلت الشركات المعرّضة للإفلاس، من خوفها
على الاقتصاد الحقيقي أكثر من خوفها على نفسها، وضخّم خبراؤها الأرقام والتداعيات،
لأنها تدرك أن هذا التهويل يدفع الحكومات لإنقاذها بضغط شعبي وقلق عام؛ مثل بيت يتعرّض
للحريق، تزداد حظوظ نجاته كلما هدّد الحريق بالتوسّع.
وهكذا، تنتهي مسرحية النظام المالي الافتراضي الذي جعل من
الاقتصاد العالمي كازينو؛ ليتطفل على النظام الاقتصادي المُنتج.
