وَبَاءُ كُورُونَا وَحُقُوقُ الْإِنْسَانِ ضِمْنَ مَنْظُورٍ دَوْلِيٍّ
بقلم: الدكتور عذاب العزيز الهاشمي
الْمُقَدِّمَةُ
أعلنت "منظمة الصحة العالمية" في شهر مارس 2020م أنَّ تفشّي مرض "كوفيد-19" الناتج عن فيروس "كورونا" المستجد – الذي ظهر للمرة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2019م في مدينة ووهان الصينية – قد بلغ مستوى الجائحة، أو الوباء العالمي؛ مما دعا المنظمة الحكومات إلى اتخاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس؛ معللة ذلك بمخاوفَ بشأن "المستويات المقلقة للانتشار وشدّته".
ومن منظور دولي، نرى أنَّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل لكل شخص الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ويُلزِم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها، ويقرّ قانون حقوق الإنسان أيضًا بأنّ القيود التي تُفرَض على بعض الحقوق، في سياق التهديدات الخطيرة للصحة وحالات الطوارئ العامتين والتي تهدّد حياة الأمة، حيث يُمكِن تبريرها عندما يكون لها أساس قانوني، وتكون ضرورية للغاية، بناءً على أدلة علمية، ولا يكون تطبيقها تعسفيًّا ولا تمييزيًّا، ولفترة زمنية محددة، كما تُحْتَرم كرامة الإنسان، وتكون قابلة للمراجعة ومتناسبة؛ من أجل تحقيق الهدف المنشود.
فمن الواضح أنّ وباء كوفيد-19، بمدى اتساعه وخطورته، يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة، ويمكن أن يبرّر فرض قيود على بعض الحقوق؛ مثل تلك التي تنجم عن فرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحدّ من حرية التنقل، في الوقت نفسه، من شأن الاهتمام الدقيق بحقوق الإنسان؛ مثل عدم التمييز، ومبادئ حقوق الإنسان؛ مثل الشفافية واحترام الكرامة الإنسانية، أن تعزز الاستجابة الفعالة في خِضم الاضطراب الحتمي الذي يحصل في أوقات الأزمات، والحدّ من الأضرار التي قد تنجر عن فرض التدابيرَ الفضفاضة التي لا تُراعي المعايير المذكورة أعلاه.
هذه الوثيقة تقدّم لمحة عن المخاوف الحقوقية التي يفرضها تفشي فيروس كورونا، بالاعتماد على أمثلة عن استجابة الحكومات حتى الآن، وتوصي بأساليبَ يُمكن للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى اعتمادها؛ لضمان احترام حقوق الإنسان عند استجابتها للوباء العالمي.
الْمَعَاييرُ الدَّوْلِيَّةِ
بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي صادقت عليه أغلب الدول؛ يحق لكلّ إنسان "التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه"، كما أنّ الحكومات مُلزمة باتخاذ التدابير الفعالة؛ للوقاية من الأمراض الوبائية، والمتوطّنة، والمهنية، والأمراض الأخرى، وعلاجها ومكافحتها.
ونذكر هنا ما قالته "اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، التي ترصد التزام الدول بالعهد: يرتبط الحق في الصحة ارتباطًا وثيقًا بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، مثلما يرد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل، فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة.
كما أكدت "مبادئ سيراكيوز"، والتي اعتمدها "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" التابع للأمم المتحدة عام 1984م، والتعليقات العامة لـ "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" بشأن حالات الطوارئ وحرية التنقل، توجيهًا ملزمًا حول ردود الحكومة التي تُقيّد حقوق الإنسان؛ لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو الطوارئ الوطنية، حيث أنّ كل التدابير التي تُتخذ لحماية الناس والتي تقيّد حقوقهم وحرياتهم يجب أن تكون قانونية، وضرورية، ومتناسبة، كما يجب أن تكون حالات الطوارئ أيضًا محددة زمنيًّا، وكل تقييد للحقوق يجب أن يراعي الأثر غير المتناسب على مجموعات سكانية أو فئات مهمشة بعينها.
في 16 مارس/ آذار 2020م، صرحت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان الأمميين بأنَّ "إعلان حالات الطوارئ القائمة على تفشي فيروس كورونا ينبغي ألا تُستخدم كأساس لاستهداف مجموعات أو أقليات أو أفراد معينين، ولا ينبغي أن تكون بمثابة غطاء لعمل قمعي تحت ستار حماية الصحة أو أن تُستخدم ببساطة لقمع المعارضة".
الْمَخَاوِفُ الْحُقُوقِيَّةُ
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فالحكومات مُلزمة بحماية الحق في حرية التعبير، بما في ذلك الحق في التماس وتلقي ونشر جميع أنواع المعلومات، بغض النظر عن أيّة حدود، وإنّ القيود المسموح بها على حرية التعبير لأسباب تتعلق بالصحة العامة، المذكورة أعلاه، يجب ألا تُعرّض هذا الحق للخطر.
وهنا تأتي مسؤولية الحكومات عن تقديم المعلومات اللازمة عن حماية الحقوق وتعزيزها، بما يشمل الحق في الصحة، حيث ترى اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنّ (توفير التعليم وإتاحة الحصول على المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة)؛ هي (التزامات ذات أولوية)، وإنّ الاستجابة لفيروس كورونا بطريقة تحترم الحقوق يجب أن تضمن وجود معلومات دقيقة وحديثة حول الفيروس، والوصول إلى الخدمات، وانقطاع الخدمات، والجوانب الأخرى المتعلقة بالاستجابة لتفشي الفيروس، وأنْ تكون هذه المعلومات متاحة بسهولة للجميع.
التَّوْصِيَاتُ:
1- ينبغي للحكومات أن تحترم الحق في حرية التعبير وفي الوصول إلى المعلومات، وأن تقيّدهما فقط في إطار ما تسمح به المعايير الدولية.
2- ينبغي للحكومات التأكد من أنّ المعلومات التي تقدّمها للجمهور عن فيروس كورونا دقيقة، وفي وقتها، ومتسقة مع مبادئ حقوق الإنسان.
3- ينبغي أن تكون جميع المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا متاحة وبلغات متعددة، بما في ذلك للأشخاص الذين يجيدون، أو لا يجيدون، القراءة والكتابة، وكذلك تقديم معلومات للأطفال مناسبة لأعمارهم؛ لمساعدتهم على اتخاذ خطوات لحماية أنفسهم.
4- البيانات الصحية لها حساسية خاصة، ونشر المعلومات على الإنترنت قد يُشكّل خطرًا كبيرًا على الأشخاص المصابين، لا سيما من هم في مواضع ضعف وتهميش في المجتمع.
5- ينبغي الحفاظ على وصول موثوق وغير مقيّد إلى الإنترنت، كما يتعيّن اتخاذ خطوات لضمان إتاحة وصول ذوي الدخل المنخفض إلى الانترنت.
