وَبَاءُ كُورُونَا واخْتِبَارُ العَوْلَمَةِ لِمَنِ الغَلَبَةُ؟
بقلم: الدكتور عذاب العزيز الهاشمي
لا شك أن انتشار فيروس كورونا الجديد يعتبر تهديدًا واختبارًا كبيران للعولمة.
فقد أكد المحللون أن العولمة اتجاهٌ تاريخيٌّ لا يُقاوم، ولن تتوقف عن المضي قُدمًا رغم أنها قد تواجه بعض الانتكاسات وسط الوباء، مشيرين في الوقت نفسه إلى ضرورة قيام البلدان بتعزيز التنسيق والتعاون لمعالجة القضايا العالمية وكذا لتحسين نظام الحوكمة العالمية.
وذكر "ريتشارد هاس"، رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، أن هذا الوباء سيدفع بلدانًا عديدة إلى إيلاء اهتمام أكبر بالشؤون الداخلية منه بالشؤون الخارجية لبضع سنوات على الأقل، كما يعتقد "جون إيكنبيري" الأستاذ بجامعة "برينستون" أن تفشي الفيروس سيضخ الزخم لدى أطراف مختلفة لمناقشة الاستراتيجية الغربية الكبرى، حتى أنه سيجعل المناهضين للعولمة يجدوا أدلة جديدة تثبت وجهات نظرهم على الأمد القصير.
وفي المقابل، أكد "روبرت جيرفيس" الأستاذ بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، أنه عندما نُلخص الوضع بعد انتهاء الوباء، سنجد أن المشكلة الحقيقية ستتمثل في إخفاق العمل بشكل فوري على تشكيل تعاون دولي فعال بين الدول.
هذا، ويرى "إيغور شاتروف"، رئيس لجنة خبراء صندوق التنمية الاستراتيجية الروسي، أنه مع اتخاذ بعض الدول (لموقف مستقل وأُحادي) بشأن قضية العولمة، فإن الافتقار إلى المساعدة المتبادلة والتعاون بين الدول في مواجهة الأزمات لن يصب في مصلحة أحد.
فلا يمكن للبلدان أن تتطور خلف أبواب مغلقة، فقد ثَبُتت حقيقة أنه عندما تأتي التحديات العالمية، فمن المستحيل على دولة واحدة أن تَسْلَم منها بمفردها؛ لذا أصبح تعزيز التنسيق والتعاون بين الدول وتحسين نظام الحوكمة العالمية مطلبًا لا مفر منه وحلًا وحيدًا.
وفي هذا السياق، أشار المحللون إلى أن أزمات عالمية؛ مثل أوبئة الأمراض المعدية، وتغير المناخ، تُظهر مقدار الترابط والتواصل الوثيقين بين البشر، وتنبه البشرية إلى ضرورة تحقيق التعاون، والتشاور، والتفاهم، والثقة المتبادلة، فالاستجابة لأحداث الصحة العامة الكبرى تتطلب حكمة جماعية وتعاونًا من البشرية جمعاء؛ وهو ما يُسلط الضوء على أهمية بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
فكما قال الدكتور "عصام شرف"، رئيس وزراء مصر الأسبق، (من حيث الاقتصاد، أعتقد أنه سيحدث انكماشًا في الاقتصاد العالمي على الأقل على المدى القصير، وسيظهر شكل جديد للعولمة؛ عولمة تعتمد على التعاون والشراكة، وليست عولمة الهيمنة)، بحسب تفسيره.
التَّأْثِيرُ عَلَى سَلَاسِلَ الإِمْدَادِ وَالعَلَاقَاتِ الدَّوْلِيَّةِ
صحيحٌ أن الوباء لن يُغير اتجاه الاقتصاد العالمي بشكل جذريّ، لكن "شانون كي أونيل" الباحثة البارزة في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية أشارت إلى أنه يقوض المبادئ الأساسية للصناعة العالمية ويكسر الروابط في سلاسل الإمداد العالمية، فغالبًا ما تتكون سلاسل الإمداد التي تهيمن على إنتاج الشركات من مراحل متعددة وتنتشر عبر دول مختلفة، والآن تتعرض لتأثيرات وسط الوباء؛ وهذا يدفع الشركات إلى إعادة التفكير فيها وتقليصها.
وفي نفس السياق، ذكرت "لوري جاريت"، الباحثة البارزة السابقة في شؤون الصحة العالمية بالمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية أن التأثير الأساسي للوباء على النظم المالية والاقتصادية الدولية سينصب على سلاسل الإمداد وشبكات التوزيع العالمية.
وتابعت بقولها أنّه بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدتها الأسواق المالية منذ إبريل الماضي؛ ستتخذ الشركات موقفًا محافظًا تجاه نماذج الإنتاج في الوقت الحقيقي، وكذا الإنتاج اللامركزي العالمي؛ ومن أجل تجنب الأضرار المستقبلية، ستصبح سلاسل الإمداد أقرب من الموطن وتُظهر فائضًا؛ ما قد يقلل من أرباح الشركات على المدى القصير، فيما يجعل النظام بأكمله أكثر مرونة.
بالإضافة إلى ذلك، أخذت العديد من الدول إجراءات احترازية لمنع انتشار الفيروس مثل؛ إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الدولية؛ لذا حذر بعض المحللين من تراجع الانفتاح والتبادلات في العلاقات الدولية على المدى القصير.
لكن الوباء لا يمثل على الإطلاق نهاية الترابط بين الدول؛ لأنه يعد في حد ذاته دليلًا على الترابط البشري، ومع ذلك، هناك الآن مَيْلٌ إلى الانغلاق على الداخل في جميع البلدان؛ من أجل السعي إلى الاستقلال الذاتي وسيطرة كل منها على مصيره.
فنخلص إلى أن المعركة ضد الوباء الحالي سينقشع غبارها عن عالم أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وحريةً؛ نظرًا لتضافر عوامل عدة؛ من ضمنها الفيروس القاتل، والتخطيط غير المناسب، والقيادات التي تفتقر للكفاءة؛ مما يضع البشرية على مسار مثير للقلق.
وأخيرًا، هل نحن أمام انتصار حقيقي للوباء على كل ما صنعه الإنسان عبر عقود شهدت الدمار والحروب الجوع والفقر؛ من أجل عولمة فاشلة منحازة للأقوى، بعيدة عن القيم والمبادئ الإنسانية؟
